تفسير سورة الزمر
بحث
مقدم من الباحث
عاطف محمد مكي القاضي
إلى
إدارة معهد الحرم المكي
1428 هـ /2007 م
وتنبع أهمية الموضوع في عدة مزايا وعدة جوانب مضيئة منها :
1-التعلق بكلام الله تعالى سبحانه وتعالى 0
قال الأصفهاني : أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان تفسير القرآن ؛ ذلك أن شرف الصناعة يكون إما بشرف موضوعها أو بشرف غرضها أو بشدة الحاجة إليها ، والتفسير قد حاز الشرف من الجهات الثلاث فموضوعه كلام الله تعالى ، والغرض منه الوصول إلى السعادة الحقيقية التي لا تفنى ، وأما من جهة شدة الحاجة فلأن كل كمال ديني أو دنيوي عاجلي أو آجلي مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية ، وهي متوقفة على العلم بكتاب الله تعالى .
2- عبادة الله على بصيرة مع التدبر والتذكر والاعتبار لقوله تعالى:((كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ )) ولقوله تعالى:((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (( والغرض من تعلم التفسير هو الوصول إلى الغايات الحميدة والثمرات الجليلة، وهي التصديق بأخباره والانتفاع بها وتطبيق أحكامه على الوجه الذي أراده الله؛ ليعبد الله بها على بصيره. 0
3- التعرف على أحوال اللفظ القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية.ولقد عّرف الإمام الزركشي في كتابه البرهان علم التفسير بقوله: علم يبحث فيه عن أحوال القرآن المجيد من حيث دلالتُه على مراد الله تعالى، بقدر الطاقة البشرية.
4- معرفة هداية الله في : العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق
5- الفوز بخير العاجلة والآجلة
قال الطبري مبيناً فضل هذا العلم : اعلموا عباد الله أن أحق ما صرفت إلى علمه العناية وبلغت في معرفته الغاية ما كان لله في العلم به رضا وللعالم به إلى سبيل الرشد هدى وأن أجمع ذلك لباغيه كتاب الله الذي لا ريب فيه وتنزيله الذي لا مرية فيه الفائز بجزيل الذخر وسنى الأجر تاليه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد 0
وخطتي في تفسير سورة الزمر هي :
التي جرى إعداد البحث من خلالها هي :
تمهيد: عرض السورة ، أهم ما تناولته سورة الزمر من موضوعات 0
ثم :
1- بـيــــان ما كتبه المفسرون في الآية أو مجموعة الآيات المترابطة0
2- بيان التفسير الإجمالي لكل آية وذكرت فيها ما دون بالتفسير الميسر لنخبة من علماء التفسير تحت إشراف الأوقاف السعودية0
3- ذكر هداية الآيات وما يستفاد منها 0
4- أضيف مقدما على ما سبق ما تدعو الضرورة إليه من :
أ- سبب نزول
ب- أوجه الإعراب (أحيانا) 0
ج- أوجه القراءات للكلمة أو الآية0
5- واختتم لكل آية بفائدة سلوكية مستنبطة من الاية0
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد السورة
تسمية السورة
سميت هذه السورة سورة الزمر من عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،فقد روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت :"كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل ".وإنما سميت سورة الزمر لوقوع هذا اللفظ فيها دون غيرها من سور القرآن.
هل أسماء السور توقيفية أم اجتهادية؟
اختلف العلماء في أسماء السور، قال قوم هي اجتهادية من الصحابة رضي الله عنهم لاختلافهم في بعض الأسماء ،وكذلك تعدد الأسماء للسورة الواحدة.
وقال الآخرون :هي توقيفية ،وأن السورة هي المترجمة توقيفا أي المسماة بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت جميع أسماء السور بالتوقيف في الآثار والأحاديث.
نوع السورة وعدد آياتها :
مكية عند الجمهور، وهي السورة التاسعة والخمسون في ترتيب النزول على المختار ،نزلت بعد سورة سبأ وقبل سورة غافر ،وعدد آياتها عند أهل الكوفة خمسا وسبعين.
المواضيع الرئيسة في السورة:
ابتدأت هذه السورة بالتنويه بشأن القرآن تنويها تكرر في ستة مواضع من هذه السورة وأغراضها كثيرة تحوم حول:
إثبات تفرد الله تعالى بالإلهية وإبطال الشرك فيها 0
إبطال تعليلات المشركين لإشراكهم وأكاذيبهم 0
نفي ضرب من ضروب الإشراك وهو زعمهم أن لله ولدا0
الاستدلال على وحدانية الله في الإلهية بدلائل تفرده بإيجاد العوالم العلوية والسفلية ،وبتدبير نظامها وما تحتوي عليه مما لا ينكر المشركون انفراده0
الخلق العجيب في أطوار تكون الإنسان والحيوان 0
الاستدلال عليهم بدليل من فعلهم وهو التجاؤهم إلى الله عندما يصيبهم الضر0
الدعوة إلى التدبر فيما يلقى إليهم من القرآن الذي هو أحسن القول0
تنبيههم على كفرانهم شكر النعمة 0
المقابلة بين حالهم وبين حال المؤمنين المخلصين لله 0
أن دين التوحيد هو الذي جاءت به الرسل من قبل0
التحذير من أن يحل بالمشركين ما حل بأهل الشرك من الأمم الماضية0
إعلام المشركين بأنهم وشركاءهم لا يعبأ بهم عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم فالله غني عن عبادتهم ،ورسوله لا يخشاهم ولا يخاف أصنامهم لأن الله كفاه إياهم جميعا0
إثبات البعث والجزاء لتُجزى كل نفس بما كسبت0
تمثيل البعث بإحياء الأرض بعد موتها 0
دعاء المشركين للإقلاع عن الإسراف على أنفسهم ،ودعاء المؤمنين للثبات على التقوى ومفارقة دار الكفر0
وصف حال يوم الحساب 0
__________________________________________________ _______
الآية (1)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)
قال ابن عطية المحاربي :" { تنزيل } رفع بالابتداء ، والخبر قوله : { من الله } وقالت فرقة : { تنزيل } خبر ابتداء تقديره : هذا تنزيل ، والإشارة إلى القرآن .
وقرأ ابن أبي عبلة : « تنزيلَ » بنصب اللام .
و { الكتاب } في قوله : { تنزيل الكتاب } قال المفسرون : هو القرآن ويظهر إلي أنه اسم عام لجميع ما تنزل من عند الله من الكتب ، فإنه أخبر إخباراً مجرداً الكتب الهادية الشارعة إنما تنزيلها من الله "
أولا : بـيــــان بعض ما كتبه المفسرون في الآية:-
َقوله تعالى:" تنْزِيلُ الْكِتَابِ "
قال أبو جعفر الطبري :" يقول تعالى ذكره
تَنزيلُ الْكِتَابِ ) الذي نزلناه عليك يا محمد "
قال ابن كثير : " يخبر تعالى أن تنزيل هذا الكتاب -وهو القرآن العظيم-من عنده، تبارك وتعالى، فهو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك"
َقوله تعالى:" مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ"
قال ابن كثير : { تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ } أي: المنيع الجناب، { الْحَكِيمِ } أي: في أقواله وأفعاله، وشرعه، وقدره "
قال البغوي : " { مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } أي: تنزيل الكتاب من الله لا من غيره."
قال النسفي : " { العزيز } في سلطانه { الحكيم } في تدبيره "
ثانيا : بيان التفسير الإجمالي للآية :-
قال أصحاب التفسير الميسر: " { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) }
تنزيل القرآن إنما هو من الله العزيز في قدرته وانتقامه، الحكيم في تدبيره وأحكامه. "
ثالثا : ذكر هداية الآية وما يستفاد منها:-
*عظمة القرآن وجلالة من تكلم به ونزل منه0
*أن هذا القرآن ليس قولا مفترى كما زعم الجاحدون بل إنه من الله العزيز الذي لا يغلبه أحد على مراده ، الحكيم في فعله وتشريعه0
* علينا معشر المؤمنين الارتقاء لتناول شرف أخذ الكتاب وتلاوته وحفظه والتمسك بآدابه وأحكامه 0
* أن الله تعالى أنزل الكتاب من علوه وهو سبحانه بائن عن خلقه وأنه سبحانه أعلى المخلوقات0
* أن كل من أخذ الكتاب بحقه منحه الله تعالى العزة والحكمة بين جميع خلقه0
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ